كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


<فائدة> وقفت على أبيات بخط الحافظ الدمياطي وقال إنها تعزى لعليّ رضي الله تعالى عنه وهي‏:‏

فنعم اليوم السبت حقاً * لصيد إن أردت بلا امتراء * وفي الأحد البناء لأن فيه

تبدى الله في خلق السماء * وفي الاثنين إن سافرت فيه * سترجع بالنجاح وبالثراء

وإن ترد الحجامة في الثلاثا * ففي ساعاته هرق الدماء * وإن شرب امرئ يوماً دواء

فنعم اليوم يوم الأربعاء * وفي يوم الخميس قضاء حاج * فإن اللّه يأذن بالقضاء

وفي الجمعات تزويج وعرس * ولذات الرجال مع النساء * وهذا العلم لا يدريه إلا * نبي أو وصي الأنبياء

- ‏(‏وكيع‏)‏ أي القاضي أبو بكر محمد بن الخلف المعروف بوكيع بفتح الواو وكسر الكاف وعين مهملة ‏(‏في الغرر‏)‏ أي في كتاب الغرر من الأخبار ‏(‏وابن مردويه‏)‏ أبو بكر أحمد بن موسى ‏(‏في التفسير‏)‏ المسند من عدة طرق عن ابن عباس وعن عائشة وعن عليّ وعن أنس وغيرهم‏.‏ ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة ابن الوزير صاحب ديوان المهدي ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ وفيه سلمة بن الصلت قال أبو حاتم متروك وجزم ابن الجوزي بوضعه وحكاه في الكبير ولم يتعقبه وقال ابن رجب‏:‏ حديث لا يصح ورواه الطبراني من طريق آخر عن ابن عباس موقوفاً‏.‏ قال السخاوي‏:‏ وطرقه كلها واهية‏.‏ وروى الطبراني بسند ضعيف‏:‏ ‏"‏يوم الأربعاء يوم نحس مستمر‏"‏ والحديث المشروح يفيده‏.‏

9 - ‏(‏آدم‏)‏ أبو البشر من أديم الأرض أي ظاهر وجهها سمي به لخلقه منه أو من الأدمة وهي السمرة ولا يشكل ببراعة جماله وأن حسن يوسف ثلث حسنه لأن سمرته بين البياض والحمرة قيل اشتقاقه يؤيد أنه عربي ومنع بأن توافق اللغتين غير ممتنع وبأنه لا دلالة على أن الاشتقاق من خواص كلام العرب ورد بأن الأصل عدم التوافق واطراد الاشتقاق وهو وإن صح تكلمه بكل لسان لكن الغالب بالسرياني كما تدل عليه أسامي أولاده ‏(‏في السماء الدنيا‏)‏ أي القريبة بروحه وزعم أنه بجسمه يأتي ردّه والسماء اسم جنس يطلق على الواحد والمتعدد ويشمل سائر الأجسام العلوية والمراد هنا هذه المظلة وهي كما قال الحراني وجمع‏:‏ أشرف من الأرض ‏(‏قال صاحب الكشف‏:‏ الأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لأن الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها اهـ‏)‏ من جهة العلو الذي لا يرام والجوهر البالغ في الأحكام والزينة البديعة النظام المنبثة عن المصالح الجسام وكثرة المنافع والأعلام ‏(‏تعرض عليه أعمال‏)‏ جمع عمل‏.‏ قال الحراني‏:‏ ‏"‏هو فعل بني على علم أو زعم ‏(‏ذريته‏)‏ أي نسله فعيلة من الذر بمعنى التفريق أو فعولة أو فعيلة من الذرء بمعنى الخلق ولا مانع من عرض المعاني وإن كانت أعراضاً لأنها في عالم الملكوت متشكلة بأشكال تخصها بحيث ترى وتنطق وإنما تمتنع رؤيتها في هذا العالم فلا ضرورة لتأويل الأعمال بصحفها ومعنى العرض أنه يراهم بمواضعهم لكنه يرى السعداء من الجانب الأيمن وغيرهم من الجانب الأيسر فالتقييد للنظر لا للمنظور فلا يلزم من رؤيته لأرواح ‏[‏ص 48‏]‏ الكفار وهو في السماء أن تفتح لهم أبوابها ولا لأرواح المؤمنين وفيهم الأحياء أن تنزع من أجسادها وتصعد ثم تعاد للأبدان‏.‏ ومن فوائد العرض الشفاعة فيمن أذن له ولكونه أول الأنبياء كان في أول السماوات وفي رواية‏:‏ ‏"‏إذا نظر إلى جهة يمينه ضحك وإذا نظر إلى جهة شماله بكى‏"‏ ‏(‏ويوسف في السماء الثانية‏)‏ قال في الكشاف‏:‏ اسم عبراني‏.‏ وقيل‏:‏ عربي وليس بصحيح لأنه لو كان عربياً لانصرف لخلوه عن سبب آخر سوى التعريف انتهى‏.‏ قال ابن الكمال‏:‏ ومن اللطائف الاتفاقية أن الأسف لغة الحزن والأسيف العبد وقد اتفق اجتماعهما في يوسف ‏(‏وابنا الخالة يحيى‏)‏ اسم أعجمي على الأظهر في الكشاف أو عربي ومنع صرفه للعلمية والوزن‏.‏

قال الحرانيّ‏:‏ سمي بصفة الدوام مع أنه قتل إشعاراً بوفاء حقيقة الروحانية الحياتية دائماً لا يطرقه طارق موت الظاهر حيث قتل شهيداً ‏(‏وعيسى‏)‏ اسم معرب أصله بالعبرية يسوع وهو غير مشتق وزعم أنه من العيس وهو بياض يخالطه صفرة منع بأن الاشتقاق العربي لا يدخل المعجم عند الأكثر وفيه ما مر‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ ويقال ابنا خالة لا ابنا عمة وابنا عم لا ابنا خال لأن ابني الخالة أم كل منهما خالة الآخر لزوماً بخلاف ابنا العمة‏.‏ واعلم أنه قد يشكل جعل عيسى ويحيى ابني خالة بأن امرأة عمران وهي حنة جدة عيسى إنما هي أخت إيشاع أم يحيى‏.‏ وأجيب بأن الأخت كثيراً ما تطلق على بنت الأخت فبهذا الاعتبار جعلهما ابني خالة وقيل كانت إيشاع أخت حنة من الأم وأخت مريم من الأب على أن عمران نكح أولاً أم حنة فولدت له أيشاع ثم نكح حنة بناء على حل نكاح الربائب في شرعهم فولدت مريم فكانت إيشاع أخت مريم من الأب لأب وخالتها من الأم لأنها أخت حنة من أمها ‏(‏في السماء الثالثة وإدريس في السماء الرابعة‏)‏ اسم أعجمي غير مشتق ولا منصرف وزعم أنه سمي به لكثرة دراسته أبطله في الكشاف بأنه لو كان إفعيلاً من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفاً فمنع صرفه دليل العجمة واسمه خنوخ أو اخنوخ كما في القاموس وغيره ‏(‏وهارون في السماء الخامسة وموسى في السماء السادسة‏)‏ غير منصرف للعجمة والعلمية وموسى بالعبري ماء وشجر سمي به لأنه وجد بين ماء وشجر لما ألقته أمّه فيه فهو اسم اقتضاه حاله وقيل هو من ماس إذا تبختر في مشيته ولا منافاة بين هذا وبين خبر أنه رأى موسى قائماً يصلي في قبره فقد يكون رآه في مسيره قائماً ثم عرج به كالمصطفى فرآه ثم وسرعة الانتقال لهؤلاء كلمح البصر بل هو أقرب وسيجيء لهذا مزيد تنبيه‏.‏ ولا بينه وبين خبر الشيخين أنه رأى يحيى وعيسى في الثانية لاحتمال الانتقال وأما الجواب بالتعدد فردّ بتوقفه على توقيف

‏(‏وإبراهيم في السماء السابعة‏)‏ زاد في رواية‏:‏ مسنداً ظهره إلى البيت المعمور‏.‏ وذكر في رواية أنه رآهم كذلك في السماء وفي أخرى أنه لقيهم فيها كذلك‏.‏ وخص هؤلاء الأنبياء بالذكر واللقاء لما ذكروه أن من رأى نبياً في النوم فإن رؤياه تؤذن بما يشبه حال النبي المرئي من شدة أو رخاء أو غيرهما فأول من لقي آدم الذي أخرجه عدوه إبليس من الجنة وذلك شبيه بأول أحوال المصطفى حين أخرجه أعداؤه من حرم الله وجواره والجامع المشقة وكراهة فراق الوطن ثم رجوعه لما منه خرج ثم يوسف في الثانية المؤذن بحالة ثانية تشبه حالة يوسف لأن يوسف ظفر بإخوته لعد ما أخرجوه فصفح عنهم والمصطفى ظفر يوم بدر بأقاربه كالعباس وعقيل فعفا عنهم ثم يحيى وعيسى في الثالثة وهما الممتحنان باليهود فصار نبينا صلى الله عليه وسلم إلى حالة ثالثة كحالهما في الامتحان باليهود فكذبوه وآذوه وظاهروا عليه بعد سكنه بالمدينة ثم سموه بالشاه فلم تزل تلك الأكلة تعاوده حتى قطعت أبهره ثم إدريس في الرابعة وهو المكان الذي سماه الله علياً وهو أول من خط بالعلم فكان مؤذناً بحالة رابعة لنبينا من علو الشأن ورفعة المكان حتى كتب بالقلم إلى الملوك بما أخافهم وأزعجهم فهذا مقام عليّ وخط بالقلم كنحو ما أوتي إدريس وهارون في الخامسة وهو المحبب في قومه فآذن بحب قريش وقاطبة ‏[‏ص 49‏]‏ العرب له بعد بغضهم وموسى في السادسة لأن حاله يشبه حاله حين أمر بغزو الشام فظهر على الجبابرة التي فيها وإبراهيم في السابعة إشارة إلى دخوله مكة في السابعة من الهجرة وأن آخر أحوال نبينا حجه إلى البيت وإبراهيم هو الداعي إلى الحج والرافع لقواعد الكعبة المحجوجة ذكره السهيلي وغيره‏.‏

وقال ابن أبي جمرة‏:‏ حكمة رؤية آدم في السماء الدنيا أنه أول الأنبياء وأول الآباء فكان الأول في الأولى لتأنيس البنوة بالأبوة ويوسف في الثانية لأن هذه الأمة تدخل الجنة على صورته ويحيى وعيسى في الثالثة لأنهما أقرب الأنبياء عهداً به وإدريس في الرابعة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ورفعناه مكاناً علياً‏}‏ والرابعة من السبع وسط معتدل وهارون لقربه من أخيه وموسى أرفع منه لكونه الكليم وإبراهيم في السابعة لأن منزلة الخليل أرفع المنازل‏.‏ وقال القونوي‏:‏ العالم السفلي مرآة للآثار والقوى والخواص المودعة في العالم العلوي وكذا العالم العلوي على اختلاف طبقاته مرآة تتعين في كل طبقة منه نتائج القوى والآثار السلفية التي تركبت منه وانعجنت في نشأة أهل هذا العالم ثم انفصلت وعادت إليه بصورة غير صورتها الأولى سيما نتائج الصفات والأفعال والتوجهات الصادرة من الإنسان الذي هو نسخة الكل ومرآة تنطبع فيها قوى كل عالم وآثار كل فلك وتوجه كل ملك وتتفاوت نسبته إلى كل فلك وعالم بحسب غلبة ما نعجن من القوى والخواص فيه من ذلك الفلك في أول تكوينه في أثناء توجهه وترقياته بعلمه وعمله وأخلاقه واستعداداته المستفادة بواسطة نشأته وبحسب حظه من الاعتدال الخصيص بالكمل وإلى ذلك أشار المصطفى بقوله‏:‏ ‏"‏آدم في السماء الدنيا‏"‏ الذي هو ملك القمر ويوسف في الثانية، إلى آخره فهو إخبار عن صور مناسباتهم بذلك الفلك وتعريف مراتب مظاهرهم الناتجة من أعمالهم وأخلاقهم وصفاتهم المكتسبة مما انعجن فيهم من قوى الأفلاك وتوجهات الأملاك وحصلت الغلبة لبعض تلك القوى والآثار على بعض في كل منهم حال اجتماعهما فيه وحيازة نشأته لها وإلا فمن البين أن الأرواح غير متحيزة فكيف يوصف سكانها في السماوات

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في تفسيره ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن الأبجر واسمه خدرة الأنصاري ‏(‏الخدري‏)‏ بضم الخاء المعجمة نسبة إلى خدرة المذكور‏.‏ وزعم بعضهم أن خدرة أم الأبجر استصغر يوم أحد وغزا مع المصطفى غزوة بايعه على أن لا تأخذه في الله لومة لائم وإسناده ضعيف لكن المتن صحيح فإنه قطعة من حديث الإسراء الذي خرجه الشيخان عن أنس لكن فيه خلف في الترتيب‏.‏

10 - ‏(‏آفة الظرف الصلف‏)‏ أي عاهة براعة اللسان وذكاء الجنان التيه والتكبر على الأقران والتمدح بما ليس في الإنسان إذ الآفة بالمد العاهة أو عرض يفسد ما يصيبه أو نقص أو خلل يلحق الشيء فيفسده والكل متقارب والظرف كفلس الكيس والبراعة والذكاء‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ومنه قول عمر إذا كان اللص ظريفاً لم يقطع أي كيساً يدرأ الحد باحتجاجه‏.‏ قال بعضهم‏:‏ والمراد هنا الاتصاف بالحسن والأدب والفصاحة والفهم‏.‏ وقال الراغب‏:‏ الظرف بالفتح اسم لحالة نجمع عامة الفضائل النفسية والبدنية والخارجية تشبيهاً بالظرف الذي هو الوعاء ولكونه واقعاً على ذلك قيل لمن حصل له علم وشجاعة ظريف ولمن حسن لباسه ورياشه وأثاثه ظريف فالظرف أعم من الحرية والكرم انتهى‏.‏ والصلف محركاً مجاوزة قدر الظرف والادعاء فوق ذلك تكبراً ذكره الخليل وتفسير ابن العربي الظرف هنا بالفعل لا يلائم السياق ‏(‏وآفة الشجاعة‏)‏ بشين معجمة ‏(‏البغي‏)‏ أي وعاهة شدة القلب عند البأس تجاوز الحد وطلب الإنسان ما ليس له‏.‏ والشجاعة‏:‏ قوة القلب والاستهانة بالحرب‏.‏ وقال الراغب‏:‏ إن اعتبرت في النفس فصرامة القلب على الأهوال وربط الجأش وإن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة وهي فضيلة بين التهور والجبن ومن ثم عرفت بأنها ملكة متوسطة بين الجبن والتهور ويتفرّع عنها علو الهمة والصبر والنجدة والبغي‏:‏ طلب التطاول بالظلم والإفساد من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد ذكره الزمخشري‏:‏ وقال الراغب‏:‏ البغي طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى تجاوزه وإلا فتارة تعتبر في القدر الذي هو الكمية وتارة في الوصف الذي هو الكيفية ويكون ‏[‏ص 50‏]‏ محموداً وهو تجاوز العدل إلى الإحسان والفرض إلى التطوع ومذموماً وهو تجاوز الحق إلى الباطل وهو أكثر استعمالاته ومنه هنا

‏(‏وآفة السماحة‏)‏ بفتح السين المهملة وخفة الميم ‏(‏المنّ‏)‏ أي وعاهة الجود والكرم تعديد النعمة على المنعم عليه والسماحة المساهلة والجود والاتساع فيه يقال عليك بالحق فإن في الحق مسمحاً أي متسعاً ومندوحة عن الباطل ذكره الزمخشري‏.‏ والمنّ الإنعام أو تزيين الفعل وإظهار المعروف وهو منا مذموم ومن الله محمود لأن غيره لا يملك المعطى والعطاء وليس في عطائه شرف بل إهانة والله مالك للكل وعطاؤه تشريف فمنه تشريف وهداية للشكر الجالب للمزيد ومن غيره تكدير وتعيير تنكسر منه الخواطر وتحبط العطايا وإن كانت خواطر‏.‏ قال بعضهم‏:‏ والتحقيق أنها لما لم تمش من غيره تعالى واعتادت أنفس الكرام النفرة عنها لا يفعلها وإن حسنت منه للتحرز عن المنفر انتهى‏.‏ ويرده أنه تعالى منّ صريحاً في مواضع من كتابه فإنكاره مكابرة‏.‏ قال ابن عربي‏:‏ والمنّ هنا من أمراض النفس التي يجب التداوي منها ودواؤه أنه لا يرى أنه أوصل إليه إلا ما هو له في علم الله وأنه أمانة عنده كانت بيده لم يعرف صاحبها فلما أخرجها بالعطاء لمن عين له عرفاً فشكر الله على أدائها فمن استحضر ذلك عند الإعطاء نفعه انتهى‏.‏ وأما منّ المصطفى على الأنصار في قصة الحديبية فليس من ذلك فإنه منّ بالهداية إلى الإسلام فهو راجع إلى الله والمصطفى مبلغ وواسطة بدليل قوله لهم في المنة ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي‏؟‏

‏(‏وآفة الجمال الخيلاء‏)‏ أي وعاهة حسن الصور أو المعاني العجب والكبر ومن ثم كره نكاح ذات الجمال البارع لما ينشأ عنه من شدة التيه والإدلال والعجب والتحكم في المقال وقد قيل من بسطه الإدلال قبضه الإذلال‏.‏ قال الراغب‏:‏ والجمال الحسن الكثير واعتبر فيه معنى الكثرة ولا بد والخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تتراءى للمرء في نفسه‏.‏ وقال الراغب‏:‏ أن يظن بنفسه ما ليس فيها من قولهم خلت الشيء ظننته ولقصور هذا المعنى قال حكيم‏:‏ إعجاب المرء بنفسه أن يظن بها ما ليس فيها مع ضعف قوة فيظهر فرحه بها والزهو الاستخفاف من الفرح بنفسه ‏(‏وآفة العبادة الفترة‏)‏ بفتح فسكون أي وعاهة الطاعة التواني والتكاسل بعد كمال النشاط والاجتهاد فيها‏.‏ والعبادة أقصى غاية الخضوع والتذلل ومنه طريق معبد أي مذلل بالأقدام وثوب ذو عبدة إذا كان في غاية الصفاقة ولذلك لا يستعمل إلا في الخضوع لله فمن وفق لألف العبادة ولزومها فليحذر من فترة الإخلال بها فان طرقته فترة فليفزع إلى ربه في دفعها

‏(‏وآفة الحديث‏)‏ أي ما يتحدث به وينقل ‏.‏ قال الراغب‏:‏ كل كلام الإنسان يقال له حديث‏.‏ والفترة، كما قال الزمخشري‏:‏ السكون بعد الحدة واللين بعد الشدة ومن المجاز فتر البرد وكان الماء حاراً ففترته وفتر العامل من عمله قصر فيه وفتر السحاب إذا تحير لا يسير ‏(‏الكذب‏)‏ أي الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه فمن أدخل حديثه الكذب عرضه للإعراض عنه وعطل النفع به وهو حرام لتعليقه تعالى استحقاق العذاب به حيث رتب عليه في قوله تعالى ‏{‏لهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون‏}‏ لكن قد يعرض ما يصيره مباحا بل واجباً إن ترتب على عدمه لحوق ضرر بمحترم‏.‏ فقول القاضي كالزمخشري‏:‏ هو حرام كله أي أصله ذلك وخروجه عن الحرمة إنما هو العارض كقول الفقهاء العارية سنة مع أنها قد تجب لدفع مؤذ أو ستر، وقول النبي‏:‏ ‏"‏إنما البيع عن تراض‏"‏ مع أنه قد يجب لنحو مضطر وكم له من نظير وبه يعرف سقوط اعتراض المؤلف عليهما ‏(‏وآفة العلم النسيان‏)‏ أي وعاهة العلم أن يهمله العالم حتى يذهب عن ذهنه ومن ثم قال الحكماء‏:‏ لا تخل قلبك من المذاكرة فيعود عقيماً ولا تعف طبعك عن المناظرة فيعود سقيماً وأعظم آفات العلم النسيان الحادث عن غفلة التقصير وأعمال التواني فعلى من ابتلى به أن يستدرك تقصيره بكثرة الدرس ويوقظ غفلته بإدامة النظر فقد قالوا لن يدرك العلم من لا يطيل درسه ويُكِدُّ نفسَهُ، وكثرة الدرس كُدُودٌ لا يصبر عليه إلا من يرى العلم مغنماً والجهالة مغرماً فيحتمل تعب الدرس ليدرك راحة العلم وتنتفي عنه معرة الجهل وعلى قدر الرغبة يكون الطلب وبحسب الراحة يكون التعب وربما استثقل المتعلم الدرس والحفظ اعتماداً واتكل بعد فهم المعاني على الرجوع إلى الكتب ومطالعتها عند الحاجة ‏[‏ص 51‏]‏ فما هو إلا كمن أطلق ما صاده ثقة بالقدرة عليه بعد الامتناع منه فلا تعقبه الثقة إلا خجلاً والتفريط إلا ندماً وكان الزهري يسمع على مشايخه إلى الليل ثم يأتي جاريته فيوقظها فيقول لها حدثني فلان بكذا وفلان بكذا فتقول‏:‏ ومالي ولهذا‏؟‏ فيقول‏:‏ إنك لا تنتفعي لكني سمعت الآن فأردت أن أستذكره‏.‏ وكان ابن رجاء يأتي صبيان الكتاب فيجمع الغلمان فيحدثهم لئلا ينسى‏.‏ قال النخعي‏:‏ من سره أن يحفظ العلم فليحدث حتى يسمعه ولو ممن لا يشتهيه فإذا فعل كان كالكتاب في صدره ولا ينافي ذلك الحديث الآتي إن إضاعة العلم أن تحدث به غير أهله لأن محله إذا كان لغير مصلحة كالتذكر هنا‏.‏ والنسيان ذهول ينتهي إلى زوال المدرك من القوة المدركة والحافظة وحيث يحتاج في حصوله إلى سبب جديد والسهو ذهول عن المدركة بحيث لا ينتهي إلى زواله منها بل ينتبه له بأدنى تنبيه‏.‏ والتذكر استعادة ما أثبته القلب مما تنحى عنه بنسيان أو غفلة

‏(‏وآفة الحلم‏)‏ بكسر المهملة فسكون اللام ‏(‏السفه‏)‏ بالتحريك أي وعاهة الأناة والتثبت وعدم العجلة الخفة والطيش، والحلم ملكة ورزانة في البدن توجب الصبر على الأذى يورثها وفور العقل‏.‏ والسفه خفة في البدن أو في المعاني يقتضيها نقصان العقل‏.‏ وقال الحراني‏:‏ هو خفة الرأي في مقابلة ما يراد منه من المتانة والرزانة‏.‏ وقال الراغب‏:‏ التسرع إلى القول القبيح والفعل القبيح ‏(‏وآفة الحسب‏)‏ بفتح المهملتين ‏(‏الفخر‏)‏ بفتح فسكون وتحرك أي وعاهة الشرف بالآباء إدعاء العظم والتمدح بالخصال‏.‏ قيل لبعض الحكماء‏:‏ ما الذي لا يحسن وإن كان حقاً‏؟‏ قال‏:‏ مدح الرجل نفسه وإن كان محقاً‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ الحسب ما يعده الشخص من مآثره ومآثر آبائه ومنه قولهم من فاته حسب نفسه لم ينفعه حسب أبيه‏.‏ والفخر كما في المصباح‏:‏ المباهاة بالمكارم والمناقب‏.‏ وقال الراغب‏:‏ المباهاة بالأشياء الخارجة عن الإنسان وذلك نهاية الحمق فمن نظر بعين عقله وانحسر عنه قناع جهله عرف أن أعراض الدنيا عارية مستردة لا يأمن في كل ساعة أن يسترجع‏.‏ قال بعض الحكماء لمفتخر‏:‏ إن افتخرت بفرسك فالحسن له دونك أو بثيابك ومتاعك فالجمال لهما دونك أو بآبائك فالفخر فيهم لا فيك ولو تكلمت هذه الأشياء لقالت هذه محاسننا فأين محاسنك

‏(‏وآفة الجود‏)‏ بضم الجيم ‏(‏السرف‏)‏ بالتحريك أي وعاهة السخاء التبذير والإنفاق في غير طاعة وتجاوز المقاصد الشرعية‏.‏ والجود إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة‏.‏ والسرف صرف الشيء فيما ينبغي زائداً على ما ينبغي‏.‏ والتبذير صرفه فيما لا ينبغي‏.‏ ذكره جمع‏.‏ وقال الماوردي‏:‏ الإسراف تجاوز في الكمية وهو جهل بمقادير الحقوق‏.‏ والتبذير تجاوز في موضع الحق فهو جهل بمواقعها وكلاهما مذموم والثاني أدخل في الذم إذ المسرف مخطئ بالزيادة والمبذر مخطئ بالكل ومن جهل مواقع الحقوق ومقاديرها بماله وأخطأها فهو كمن جهلها بفعاله‏.‏ وقال الراغب‏:‏ التبذير التفريق أصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكل مضيع ماله فتبذير البذر تضييع في الظاهر لمن لم يعرف مآل ما يلقيه‏.‏ ثم القصد بهذه الجملة الحث على تجنب هذه الأخلاق والتنفير عنها والتحذير منها وأنه ما من خلق كريم إلا وله آفة تنشأ من طمع لئيم فنبه على أن الإنسان يكون بالمرصاد لدفع ما يرد عليه من هذه الآفات ‏"‏تنبيه‏"‏ قد ذكر الحكماء آفات من هذا الجنس فقالوا‏:‏ آفة العلم الملل وآفة العمل رؤية النفس وآفة العقل الحذر وآفة العارف الظهور من غير وارد من جهة الحق وآفة المحبة الشهوة وآفة التواضع الذلة وآفة الصبر الشكوى وآفة التسليم التفريط في جنب الله وآفة الغنى الطمع وآفة العز البطر وآفة البطالة فقد الدنيا والآخرة وآفة الكشف التكليم به وآفة الصحبة المنازعة وآفة الجهل الجدل وآفة الطالب التسلل دون الإقدام على المكاره وآفة الفتح الالتفات للعمل وآفة الفقير الكشف وآفة السالك الوهم وآفة الدنيا الطلب وآفة الآخرة الإعراض وطلب الأعواض وآفة الكرامات الميل إليها وآفة العدل الانتقام وآفة التعبد الوسوسة وآفة الاطلاق الخروج عن المراسم وآفة الوجود رؤية الكمال‏.‏ وذكروا آفات أخر وفي هذا الكفاية‏.‏

- ‏(‏هب‏)‏ وكذا ابن لال في المكارم وزاد‏:‏ ‏"‏وآفة الدين الهوى‏"‏ ‏(‏وضعفه‏)‏ قال السخاوي‏:‏ وفيه مع ضعفه انقطاع ‏(‏عن‏)‏ باب مدينة العلم ربان سفينة الفهم سيد الحنفاء زين الخلفاء ذي القلب العقول ‏[‏ص 52‏]‏ واللسان والسؤال بشهادة الرسول أمير المؤمنين ‏(‏علي‏)‏ بن أبي طالب القائل فيه المصطفى‏:‏ ‏"‏من كنت مولاه فعليّ مولاه‏"‏ والقائل هو لو شئت لأوقرت لكم من تفسير سورة الفاتحة سبعين وقراً‏.‏ والقائل‏:‏ أنا عبد الله وأخو رسوله والصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب‏.‏ قتل بالكوفة شهيداً وعمر كالنبي وصاحبيه‏.‏ ثم إن اقتصار المؤلف على عزو تضعيفه للبيهقي يؤذن بأنه غير موضوع وقد رواه الطبراني بتقديم وتأخير عازياً لعلي أيضاً وتعقبه الهيتمي بأن فيه أبا رجاء الحبطي وهو كذاب وبما تقرر عرف خطأ من زعم كبعض شراح الشهاب أنه حسن‏.‏

11 - ‏(‏آفة‏)‏ أهل ‏(‏الدين‏)‏ أو المرا الدين نفسه لأن شؤم كل منهم يعود على الشريعة بالوهن ‏(‏ثلاثة‏)‏ من الرجال أحدهم ‏(‏فقيه‏)‏ أي عالم ‏(‏فاجر‏)‏ أي مائل عن الحق هاتك ستر الديانة‏.‏ والفجور هو الانبعاث في المعاصي‏.‏ وفي المغرب‏:‏ الفجر الشق ومنه الفجور والفسوق والعصيان لأن الفاجر ينفتح له طريق المعصية ويتسع فيها‏.‏ وفي غيره أصل الفجر الشق ومنه‏:‏ ‏{‏وفجرنا خلالهما نهراً ‏}‏ والفجور شق ستر الديانة ‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏إمام‏)‏ أي سلطان سمي به لأنه يتقدم على غيره والمراد هنا حاكم ‏(‏جائر‏)‏ أي ظالم والإمام من يؤتم أي يقتدى به والجمع إمام أيضاً‏.‏ قال المولى حسن الرومي‏:‏ فعلم أن ما ذكره القاضي كالزمخشري في‏:‏ ‏{‏واجعلنا للمتقين إماما‏}‏ تمحل لا ضرورة إليه وكثيراً ما يجتمع على أئمة ‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏مجتهد‏)‏ أي عابد مجد في العبادة ‏(‏جاهل‏)‏ بأحكام الدين‏.‏ قال الحراني‏:‏ والجهل التقدم في الأمور المبهمة بغير علم والمراد هنا عدم العلم بالواجب عليه من الشرائع الظاهرة والتنكير للتحقير‏.‏ وخص هؤلاء لعظم الضرر بهم إذ بهم تزل الأقدام فالعالم يقتدى به والإمام تعتقد العامة وجوب طاعته حتى في غير طاعة والمتعبد يعظم الاعتقاد فيه‏.‏ وقدم الفقيه لأن ضرره أعظم إذ بتساهله وتهوره تنقلب الأحكام وتضل الأنام ويعود الوهن على الإسلام‏.‏ قال علي كرم الله وجهه كفى بالجهل ذماً أن يتبرأ منه من هو فيه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ خير المواهب العقل وشر المصائب الجهل‏.‏

- ‏(‏فر‏)‏ من حديث نهشل عن الضحاك ‏(‏عن‏)‏ عبد الله ‏(‏ابن عباس‏)‏ ورواه عنه أبو نعيم ومن طريقه وعنه تلقاه الديلمي ونهشل‏.‏ قال الذهبي في الضعفاء‏.‏ قال ابن راهويه كان كاذباً والضحاك لم يلق ابن عباس ومن ثم قال المؤلف في درر البحار سنده واه اهـ‏.‏

12- ‏(‏آفة العلم النسيان‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ النسيان ترك ضبط ما استودع إما لضعف قلبه أو عن غفلة أو قصد‏.‏ قال الماوردي‏:‏ النسيان نوعان أحدهما ينشأ عن ضعف القوة المتخيلة عن حفظ ما يغفل عنه الذهن ومن هذا حاله قل على الأضداد احتجاجه وكثر إلى الكتب احتياجه وليس لمن بلي به إلا الصبر أو الإقلال لأنه على القليل أقدر وبالصبر أحرى وأن ينال ويظفر‏.‏ وقال الحكماء‏:‏ اتعب قدميك فكم تعب قدمك‏.‏ وقالوا‏:‏ إذا اشتد الكلف هانت الكلف والثاني يحدث عن غفلة التقصير وإعمال التواني فينبغي لمن ابتلي به استدراك تقصيره بكثرة الدرس وإيقاظ غفلته بإدامة النظر ومن ثم قيل أكمل الراحة ما كان عن كد التعب وأعز العلم ما كان عن ذل الطلب ‏(‏وإضاعته‏)‏ أي إهماله وإتلافه وإهلاكه ‏(‏أن تحدث به غير أهله‏)‏ ممن لا يفهمه أو لا يعمل به فتحديثك له به إهمال له أي جعلته بحيث صار مهملاً أو إتلاف وإهلاك لعدم معرفته بما تحدثه به أو لعدم الانتفاع به وكذا من هو لاه أو متغافل أو مستخف به وهذا على الثاني استعارة بالكناية‏.‏ وأخرج البيهقي عن وهب أن ذا القرنين لما بلغ مطلع الشمس قال له ملكها صف لي الناس قال‏:‏ محادثتك من لا يعقل كلامك بمنزلة من يضع الموائد لأهل القبور وكمن يطبخ الحديد يلتمس أدمة‏.‏ قال لقمان نقل الصخور من مواضعها أيسر من إفهام من لا يفهم‏.‏ وأخرج البيهقي عن كثير الحضرمي لا تحدث بالحكمة عند السفهاء فيكذبوك ولا بالباطل عند الحكماء فيمقتوك ولا تمنع العلم أهله فيأثم ولا تحدث به غير أهله فيحمقك، إن عليك في علمك حقاً كما أن عليك في مالك حقاً‏.‏

- ‏(‏ش‏)‏ وكذا ابن عبد البر في كتاب العلم ‏(‏عن‏)‏ أبي محمد سليمان بن مهران ‏[‏ص 53‏]‏ ‏(‏الأعمش‏)‏ الكوفي الكاهلي تابعي ثقة جليل رأى بعض الصحابة ولم يثبت له منهم سماع وكان أكثر أهل عصره حديثاً وأعلمهم بالفرائض وكان يسمى بالمصحف لصدقه ‏(‏مرفوعاً‏)‏ إلى النبي ‏(‏معضلاً‏)‏ وهو ما سقط من إسناده اثنان على التوالي وهو بفتح الضاد من أعضله أعياه فهو معضل فكأن المحدّث الذي حدّث به أعياه فلم ينتفع به من يرويه عنه ‏(‏وأخرج‏)‏ ابن أبي شيبة ‏(‏صدره فقط‏)‏ وهو‏:‏ ‏"‏آفة العلم النسيان‏"‏ ‏(‏عن‏)‏ أبي عبد الرحمن عبد الله ‏(‏ابن مسعود موقوفاً‏)‏ أي مقصوراً عليه فلم يتجاوز به إلى النبي وظاهر اقتصار المؤلف على عزوه لابن أبي شيبة من طريقه أنه لا يعرف لغيره وإلا لذكره تقوية له لكونه معلولاً والأمر بخلافه فقد رواه بتمامه من هذا الوجه الدارمي في مسنده والعسكري في الأمثال عن الأعمش معضلاً ورواه عنه ابن عدي من عدة طرق بلفظ‏:‏ ‏"‏آفة العلم النسيان وإضاعته أن تحدث به من ليس له بأهل‏"‏ ورواه من طريق عن قيس بن الربيع بلفظ‏:‏ ‏"‏وإضاعته أن تضعه عند غير أهله‏"‏ وروى صدره عن ابن مسعود أيضاً موقوفاً البيهقي في المدخل قال الحافظ العراقي ورواه بطين في مسنده من حديث علي بلفظ‏:‏ ‏"‏آفة العلم النسيان وآفة الجمال الخيلاء ورواه ابن عدي عن علي مرفوعاً بلفظ‏:‏ ‏"‏آفة الحديث الكذب وآفة العلم النسيان‏"‏ فكان ينبغي للمؤلف الإكثار من مخرجيه إشارة إلى تقويته‏.‏

13 - ‏(‏آكل‏)‏ بكسر الكاف اسم فاعل وزعم أنه بسكونها وهم ‏(‏الربا‏)‏ أي متناوله بأي وجه كان وعبر عنه بالأكل مجازاً‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ من المجاز فلان أكل غنمي وشربها وأكل مالي وشربه أي أطعمه الناس وأكلت أطفالي الحجارة انتهى‏.‏ وبه يستغنى عن قولهم عبر بالأكل لأنه يأخذه ليأكله أو لأنه المقصد الأعظم من المال، وهو بكسر الراء والقصر وألفه بدل من واو ويكتب بها وبياء وينسب إليه فيقال ربوي بالكسر‏.‏ قال المطرزي‏:‏ وفتح الراء خطأ‏.‏ وهو لغة الزيادة وشرعاً عقد على عوض معلوم مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما‏.‏ وفي شرح المصابيح للقاضي‏:‏ الربا في الأصل الزيادة ثم نقل إلى ما يؤخذ زائداً علي ما بذل في المعاملات وإلى العقد المشتمل عليه والمراد به ههنا القدر الزائد أي الذي تحقق وجوده من العقد المشتمل عليه وبهذا التأويل يردان معاً ولكونه منهياً عنه لما فيه من أكل المال بالباطل على وجه مخصوص مع العلم والتعمد بعد ما أنزل الله فيه جازي آكله بلغته تنفيراً عنه وعليه يحمل خبر ‏"‏لعن الله الربا وآكله‏"‏ إذ اللعنة وإن كانت فيه واقعة على العقد باعتبار اشتماله على الزيادة لكن المراد العاقد لتحقق وقوع اللعنة على من تلبس بمحرم بتلبسه به إذ الربا معنى والمعاني لا تلعن حقيقة وإن عبر بها عن فاعل ذلك مجازاً لكونها سبباً انتهى‏.‏ وهو كبيرة إجماعاً ولم يحل في شريعة قط ولم يؤذن الله عاصياً بالحرب غير آكله‏.‏ قال الحراني‏:‏ يقع الإيثار فيه قهراً وذلك الجور الذي يقابله العدل الذي غايته الفضل فأجور الجور في الأموال الربا كالذي يقتل بقتيل قتيلين وبهذا اشتد الجور بين العبيد الذين حظهم التساوي في أمر بلغة الدنيا انتهى‏.‏ وبه استبان أن تحريمه معقول المعنى خلافاً لبعض الأعاجم لا تعبدي محض وزعم أن ما ذكر إنما يصلح حكمة لا علة ممنوع ولما كان تحريمه فيما بين العبد والرب كان فيه الوعيد بالإيذان بالحرب من الله ورسوله ولذلك حمى جميع ذرائعه أشد الحماية وأشدهم في ذلك عالم المدينة حتى إنه حمى من صورته مع الثقة بسلامة الباطن منه وعمل بضد ذلك في محرمات ما بين العبد ونفسه وكل من طفف في ميزان فتطفيفه رباً بوجه ما فلذلك تعددت أبوابه وتكثرت أسبابه ‏(‏وموكله‏)‏ مطعمه‏.‏

قال الخطيب‏:‏ سوى بينهما في الوعيد لاشتراكهما في الفعل وتعاونهما عليه وإن كان أحدهما مغتبطاً والآخر مهتضماً ولله سبحانه وتعالى حدود فلا تتجاور عند الوجود والعدم والعسر واليسر فضرورة الموكل لا تبيح له أن يوكله الربا لإمكان إزالتها بوجه من وجوه المعاملة والمبايعة فإن فرض تعذره فعليه أن يتجوز عن صريح الربا بضرب من ضروب الحيل المعروفة انتهى‏.‏ وحينئذ يظهر أنه لا كراهة فيها عند القائل ‏[‏ص 54‏]‏ بأنها تنزيهية كالشافعية ولا حرمة عند غيرهم لأن الضرورات تبيح المحظورات ‏(‏وكاتبه‏)‏ الذي يكتب الوثيقة بين المترابين ‏(‏وشاهداه‏)‏ أي اللذان يتحملان الشهادة عليهما وإن لم يؤديا كما قاله بعض شراح مسلم وفي معناهما من حضر وأقره‏.‏ قال‏:‏ وإنما سوى بينهم في اللعن لأن العقد لا يتم إلا بالمجموع ولم يذكر في نسخ‏:‏ ‏"‏وشاهداه‏"‏ وهي رواية النسائي وعليها فالمراد بالكاتب ما يشمل الشاهد لأنه شاهد وزيادة ‏(‏إذا علموا ذلك‏)‏ أي علم كل منهم أنه ربا وأن الربا حرام وهذا الشرط معتبر فيمن بعد هؤلاء أيضاً‏.‏ وإنما لم يؤخره لأنه إذا اشترط العلم في الربا مع اشتهار ذمة وإطباق الملل على تحريمه ففي غيره أولى ولو أخره ربما توهم عود الشرط لما وليه فقط وأطنب بتعدد المذكورين وتفصيلهم ليستوعب مزاولته مزاولة ما بأي وجه كان‏.‏ ذكره الطيبي‏.‏ قال‏:‏ وهذا تصريح بتحريم الكتابة للمترابين والشهادة عليهما وتحريم الإعانة على الباطل ‏(‏والواشمة‏)‏ التي تغرز الجلد بنحو إبرة وتذر عليه نحو نيلة ليخضر أو يزرق وتأنيثه على إرادة التسمية فيشمل الرجل أو خص الأنثى لأنها الفاعلة لذلك غالباً لا لإخراج غيرها ‏(‏والموشومة‏)‏ المفعول بها ذلك ‏(‏للحسن‏)‏ أي لأجل التحسين ولو لحليل، ولا مفهوم له لأن الوشم قبيح شرعاً مطلقاً لأنه تغيير لخلق الله وتجب إزالته حيث لم يخف مبيح تيمم ‏(‏ولاوى‏)‏ بكسر الواو ‏(‏الصدقة‏)‏ أي المماطل بدفع الزكاة بعد التمكن وحضور المستحق أو الذي لا يدفعها إلا بإكراه يقال لوى مدينه مطله ورجل لوى عسر يلتوي على خصمه ‏(‏والمرتد‏)‏ حال كونه ‏(‏أعرابياً‏)‏ بفتح وبياء النسبة إلى الجمع ‏(‏بعد الهجرة‏)‏ أي والعائد إلى البادية ليقيم مع الأعراب بعد ما هاجر مسلماً والمراد أنه هاجر إذا وقع سهمه في الفيء ولزمه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع بعد هجرته أعرابياً كما كان وكان من رجع بعد هجرته بلا عذر يعد كالمرتد لوجوب الإقامة مع النبي صلى الله عليه وسلم لنصرته وورد في خبر أنه كبيرة‏.‏

قال القاضي، والحكمة في الهجرة أن يتمكن المؤمن من الطاعة بلا مانع ولا وازع ويتبرأ عن صحبة الأشرار المؤثرة بدوامها في اكتساب الأخلاق الذميمة والأفعال الشنيعة فهي في الحقيقة التحرز عن ذلك والمهاجر الحقيقي من يتحاشى عنها والأعرابي ساكن البادية والأعراب أهل البدو والأصح نسبتهم إلى عربة بفتحتين وهي من تهامة لأن أباهم إسماعيل نشأ بها كذا في المغرب‏.‏ وفي المصباح‏:‏ واحد الأعراب أعرابي بالفتح وهو من يكون ذو نجعة وارتياد للكلأ‏.‏ زاد الأزهري هبه من الأعراب أو مواليهم ‏(‏ملعونون‏)‏ مطرودون عن مواطن الأبرار لما اجترحوه من ارتكاب هذا الفعل الشنيع الذي هو من كبار الآصار لأن اللعن إبعاد في المعنى والمكانة والمكان إلى أن يصير الملعون بمنزلة السفل في أسفل القامة يلاقى به ضرر الوطء ذكره الحراني‏.‏ وأصل اللعن من الله تعالى إبعاد العبد من رحمته بسخطه ومن الآدمي الدعاء عليه بالسخط واللعن بالوصف جائز حتى لطائفة من عصاة المؤمنين كما هنا لكن ليس المراد به في حقهم الطرد عن رحمة الله بالكلية بل الإهانة والخذلان‏.‏ ولهذا قال النووي‏:‏ اتفق العلماء على تحريم اللعن فإن معناه الإبعاد عن الرحمة ولا يجوز أن يبعد منها من لا تعرف خاتمة أمره معرفة قطعية مسلماً أو كافراً إلا من علم بنص أنه مات أو يموت كافراً كأبي جهل وإبليس‏.‏ قال‏:‏ وأما اللعن بالوصف كآكل الربا وموكله والفاسقين وغيرهم مما جاءت النصوص بإطلاقه على الأوصاف لا على الأعيان فجائز‏.‏ وفي شرح الهداية‏:‏ اللعن نوعان‏:‏

أحدهما الطرد عن رحمة الله وهذا ليس إلا للكافرين والثاني الإبعاد عن درجات الأبرار ومقام الأخيار وهو المراد في هذه الأخبار‏.‏ والحاصل أن الطرد والإبعاد على مراتب في حق العباد وأن اللعن بالشخص بمعنى اليأس من الرحمة لا يجوز حتى لكافر إلا من علم بالنص أنه مات أو يموت كافراً ولا حجة للمجوز في خبر‏:‏ ‏"‏إذا دعى الرجل زوجته إلى فراشه فأبت لعنتها الملائكة‏"‏ لأنه كما قيل يحتمل كونه من خصائص المعصوم لأن الخصوصية لا تثبت بالاحتمال بل لأن ذلك ليس من لعن المعين إذ التعيين إنما يحصل باسم أو إشارة ولعن الملائكة ليس من ذلك بل من اللعن بالوصف كأن يقول‏:‏ اللّهم العن من باتت هاجرة فراش زوجها ‏(‏على لسان محمد‏)‏ صلى الله عليه وسلم أي لعناً وارداً على لسانه مما أوحى الله إليه أو بقوله ‏(‏يوم ‏[‏ص 55‏]‏ القيامة‏)‏ أي يقول في الموقف إن الله أمرنا بإبعاد من اتصف بهذه الكبائر ومات مصراً عليها عن مواطن الأبرار ودرجات الأخيار ثم بعد ذلك قد يدركهم العفو بشفاعة أو دونها وقد يعذبون ومصير من مات مسلماً إلى الجنة وإن فعل ما فعل وزاد في رواية ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ وهي من الراوي لا من لفظ الرسول‏:‏ وفيه أن هذه المذكورات من الكبائر، ومن صرح بأن التعرب بعد الهجرة من الكبائر العلائي‏.‏ وليوم القيامة أسماء كثيرة جمعها الغزالي ثم القرطبي فبلغت نحو ثمانين وهذا الترتيب مقصود فأعظم هؤلاء السبعة إثماً آكل

الربا لأنه مغتبط ثم مطعمه لأنه مضطر لذلك غالباً ثم كاتبه لأن إثمه إنما هو لإعانته على باطل ثم الشهود إقرارهما عليه

- ‏(‏ن‏)‏ في السير وغيرها وكذا أحمد والبيهقي ‏(‏عن‏)‏ أبي عبد الرحمن عبد الله ‏(‏ابن مسعود‏)‏ وفيه الحارث الأعور‏.‏ قال الهيتمي بعد عزوه لأحمد ولأبي يعلى والطبراني‏.‏ وفيه الحارث الأعور ضعيف وقد وثق وعزاه المنذري لابن خزيمة وابن حبان وأحمد‏.‏ ثم قال‏:‏ رووه كلهم عن الحارث الأعور عن ابن مسعود إلا ابن خزيمة فعن مسروق عن ابن مسعود وإسناد ابن خزيمة صحيح انتهى‏.‏ فأهمل المصنف الطريق الصحيح وذكر الضعيف ورمز لصحته فانعكس عليه‏.‏ والحاصل أنه روي بإستادين أحدهما صحيح والآخر ضعيف فالمتن صحيح‏.‏

14- ‏(‏آكل‏)‏ بالمد وضم الكاف قال الزمخشري وحقيقة الأكل تناول الطعام‏.‏ وقال الكرماني‏:‏ بلع الطعام بعد مضغه ‏(‏كما يأكل العبد‏)‏ أي في القعود له وهيئة التناول والرضا بما حضر تواضعاً لله تعالى وأدباً معه فلا أتمكن عند جلوسي له ولا أتكئ كما يفعله أهل الرفاهية ولا أنبسط فيه فالمراد بالعبد هنا الإنسان المتذلل المتواضع لربه ‏(‏وأجلس‏)‏ في حالة الأكل وغيرها ‏(‏كما يجلس العبد‏)‏ لا كما يجلس الملك فإن التخلق بأخلاق العبودية أشرف الأوصاف البشرية‏.‏ وقد شارك نبينا في ذلك التشريف بعض الأنبياء واختصاصه إنما هو بالعبد المطلق فإنه لم يسم غيره إلا بالعبد المقيد باسمه‏:‏ ‏{‏واذكر عبدنا داود‏}‏ وعبدنا أيوب، فكمال العبودية لم يتهيأ لأحد من العالمين سواه وكمالها في الحرية عما سوى الله بالكلية‏.‏ وقال الحراني‏:‏ ومقصود الحديث الاغتباط بالرق والعياذ من العتق فذلك هو أول الاختصاص ومبدأ الاصطفاء والتحقق بالعبودية ثمرة ما قبله وأساس ما بعده وهذا أورده على منهج التربية لأمته فانه المربي الأكبر فإخباره عن نفسه بذلك في ضمن الإرشاد إلى مثل ذلك الفعل وأما في حد ذاته فيخالف الناس في العبادة والعادة تمكن للأكل أم لا أما في عبادته فلأنه يعبد ربه على مرأى منه ومسمع وأما في عادته فإنه سالك مسلك المراقبة فلو وقع لغيره في العبادات ما يقع له في العادات كان ذلك الإنسان سالكاً مقام الإحسان وفيه أنه يكره الجلوس للأكل متكئاً

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏ع حب‏)‏ وكذا الحاكم في تاريخه ‏(‏عن‏)‏ أم المؤمنين ‏(‏عائشة‏)‏ بالهمز قال الزركشي‏:‏ وعوام المحدثين يقرؤنه بياء صريحة وهو لحن وهي الصديقة بنت الصديق المبرأة من كل عيب الفقيهة العالمة العاملة حبيبة المصطفى قالت‏:‏ قال لي يا عائشة لو شئت لسارت معي جبال الذهب أتاني ملك إلى حجرة الكعبة‏.‏ فقال‏:‏ إن ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت كنت نبياً ملكاً وإن شئت نبياً عبداً فأشار إلى جبريل‏:‏ أن ضع نفسك فقلت‏:‏ نبياً عبداً، فكان بعد لا يأكل متكئاً ويقول‏:‏ ‏"‏آكل كما يأكل العبد‏"‏ إلى آخره‏.‏ ورواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً وزاد ‏"‏فإنما أنا عبد‏"‏ ورواه هناد عن عمرو بن مرة وزاد‏:‏ ‏"‏فوا الذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً كأساً‏"‏ ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه‏.‏

15 - ‏(‏آل محمد كل تقي‏)‏ أي من قرابته كما بينه الحليمي لقيام الأدلة على أن آله من حرمت عليهم الصدقة أو المراد آله بالنسبة لمقام نحو الدعاء، ورجحه النووي رحمه الله، في شرح مسلم فالإضافة للإختصاص أي هم مختصون به اختصاص أهل الرجل به وعليه فيدخل أهل البيت دخولاً أولياً كذا حرره بعض المتأخرين أخذاً من قول الراغب‏:‏ آل النبي صلى الله عليه وسلم أقاربه وقيل المختصون به من حيث العلم وذلك أن أهل الدين ضربان ضرب مختص بالعلم ‏[‏ص 56‏]‏ المتقن والعمل النافع المحكم فيقال لهم آل النبي وأمته وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ويقال لهم أمة محمد ولا يقال آله وكل آل النبي أمته ولا عكس‏.‏ وقيل لجعفر الصادق‏:‏ الناس يقولون‏:‏ المسلمون كلهم آل النبي‏.‏ قال‏:‏ صدقوا وكذبوا‏.‏ قيل‏:‏ كيف‏؟‏ قال كذبوا في أن الأمة كافتهم آله وصدقوا أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله والمتقي من يقي نفسه عما يضره في العقبى أو من سلك سبيل المصطفى ونبذ الدنيا وراء القفا وكلف نفسه الإخلاص والوفا واجتنب الحرام والجفا ولو لم يكن له فضل إلا قوله تقدس‏:‏ ‏{‏هدى للمتقين‏}‏ لكفى لأنه تعالى بين في غير موضع أن القرآن هدى للناس وقال ‏{‏هدى للمتقين‏}‏ فكأنه قال‏:‏ المتقون هم الناس وغير المتقي ليس من الناس‏.‏ وقال الحراني‏:‏ المتقي المتوقف عن الإقدام على كل أمر لشعوره بتقصيره عن الاستبداد وعلمه بأنه غير غني بنفسه فهو متق لوصفه وحسن فطرته‏.‏ والتقوى تجنب القبيح خوفاً من الله وهي أصل كل عبادة، ووصية الله لأهل الكتب بأسرها‏.‏

- ‏(‏طس‏)‏ وكذا في الصغير وكذا ابن لال وتمام والعقيلي والحاكم في تاريخه والبيهقي ‏(‏عن أنس‏)‏ قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم من آل محمد‏؟‏ فذكره‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ وفيه نوح بن أبي مريم وهو ضعيف جداً‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ هو حديث لا يحل الاحتجاج به‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ رواه الطبراني عن أنس وسنده واه جداً وأخرجه البيهقي عن جابر من قوله وإسناده واه ضعيف‏.‏ وقال السخاوي‏:‏ أسانيده كلها ضعيفة‏.‏

16 - ‏(‏آل القرآن‏)‏ أي حفظته العاملون به ‏(‏آل الله‏)‏ أي أولياؤه‏.‏ وأضيفوا إلى القرآن لشدة اعتنائهم به وأضيفوا إلى الله تشريفاً‏.‏ قال ابن عربي آل القرآن هم الذين يقرؤن حروفه من عجم وعرب ويعلمون معانيه وليس الخصوصية من حيث القرآن بل من حيث العلم بمعانيه فإن انضاف إلى حفظه والعلم بمعانيه العمل به فنور على نور‏.‏ قال في الفائق‏:‏ وأصل آل أهل ويختص على الأشهر بالإشراف كما هنا فلا يقال آل الخياط‏.‏ وقال الراغب الآل مقلوب أهل وتصغيره أهيل لكنه خص بالإضافة إلى إعلام الناطقين دون النكرات والأزمنة والأمكنة‏.‏

- ‏(‏خط في‏)‏ كتاب ‏(‏رواه‏)‏ الإمام ‏(‏مالك‏)‏ بن أنس من رواية محمد بن بزيع عن مالك عن الزهري ‏(‏عن أنس‏)‏ ابن مالك ثم قال مخرجه الخطيب وبزيع مجهول وفي الميزان خبر باطل وأقره عليه المؤلف في الأصل وقال غيره موضوع‏.‏

17 - ‏(‏آمروا‏)‏ بالمد وميم مخففة مكسورة هكذا الرواية فمن شدد الميم لم يصب وإن صح معناه ‏(‏النساء‏)‏ اسم لجماعة إناث الأناسي الواحدة امرأة من غير لفظ الجمع ‏(‏في بناتهن‏)‏ أي شاوروهن في تزويجهن لأنه أدعى للألفة وأطيب للنفس‏.‏ إذ البنات للأمهات أميل وقد يكون عند أمها رأي صدر عن علم بباطن حالها أو بالزوج‏.‏ قال البيهقي‏:‏ قال الشافعي‏:‏ لم يختلف الناس أنه ليس للأمهات أمر لكنه على معنى استطابة النفس‏.‏ وقال ابن العربي‏:‏ هذا غير لازم إجماعاً وإنما هو مستحب والمراد هنا الأم والجدات من جهة الأب ومن جهة الأم فإنها وإن استؤذنت قد تأذن حياء‏.‏ قال في الكشاف‏:‏ والائتمار والتشاور يقال الرجلان يتآمران ويأتمران لأن كلا منهما يأمر صاحبه بشيء أو يشير عليه بأمر‏.‏ وقال الراغب‏:‏ الائتمار قبول الأمر ويقال للتشاور ائتماراً لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به والأمر طلب الفعل من الدون وبه سمي الأمر الذي هو واحد الأمور تسمية المفعول به بالمصدر قال الزمخشري وهذا وما قبله خطاب مشافهة وهو كما قال القاضي وغيره شامل للموجودين وقت الخطاب ومن سيوجد إلى قيام الساعة إلا ما خص بدليل‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في النكاح ‏(‏هق‏)‏ فيه كلاهما ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفي رواية إسماعيل بن أمية عن ‏[‏ص 57‏]‏ الثقة عن ابن عمر في شأنهنّ بدل بناتهنّ ورمز المؤلف لحسنه‏.‏

18- ‏(‏آمروا‏)‏ بضبط ما قبله ‏(‏النساء‏)‏ أي البالغات ‏(‏في أنفسهنّ‏)‏ جمع نفس من النفاسة ونفس الشيء ذاته وحقيقته ويقال للروح لأن أنفس الحي به وللقلب لأنه محل الروح أو متعلقه وللدم لأن به قوامها وللماء لشدة حاجتها له وللرأي في قولهم فلان يؤامر نفسه ذكره الزمخشري والمراد هنا الأول يعني شاوروهنّ في تزويجهنّ ‏(‏فإن الثيب‏)‏ فعيل من ثاب رجع لمعاودتها التزوج غالباً أو لأن الخطاب يثاوبونها أي يراسلونها ويعاودونها‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ ويقال للرجل والمرأة ثيب وفي الصحاح رجل ثيب وامرأة ثيب‏.‏ قال ابن السكيت‏:‏ وهو الذي دخل بامرأته وهي التي دخل بها ‏(‏تعرب‏)‏ تبين وتوضح ‏(‏عن نفسها‏)‏ من أعربت عنه وعربته بالتنقيل بينته وأوضحته‏.‏ قال في المصباح‏:‏ يروى في المهموز ومن المثقل‏.‏ وقال الزمخشري‏:‏ أعربت عن حاجته تكلم بها واحتج لها ‏(‏وإذن البكر‏)‏ أي العذراء‏.‏ قال في الصحاح‏:‏ الذكر والأنثى فيه سواء‏.‏ وفي المصباح‏:‏ البكر خلاف الثيب رجلاً أو إمرأة‏.‏ قال القاضي‏:‏ وتركيب البكر للأولية ومنه البكرة والباكورة‏.‏ وقال الراغب‏:‏ البكرة أول النهار وتصور منها معنى التعجيل لتقدمها على سائر أوقات النهار فقيل لكل متعجل بكر وسمى التي تفتض بكراً اعتباراً بالثيب لتقدمها عليها فيما يراد له النساء ‏(‏صمتها‏)‏ أي سكوتها والأصل وصماتها كإذنها فشبه الصمات بالإذن شرعاً ثم جعل إذناً مجازاً ثم قدم مبالغة والمعنى هو كاف في الإذن وهذا كقوله ‏"‏ذكاة الجنين ذكاة أمه‏"‏ إذ أصله ذكاة أم الجنين ذكاة‏.‏ وإنما قلنا أصله صماتها كإذنها لأنه لا يخبر عن الشيء إلا بما يصح كونه وصفاً له حقيقة أو مجازاً فلا يصح أن يكون إذنها مبتدأ لعدم صحة وصف الإذن بالسكوت لأنه يكون نفياً له فيصير المعنى إذنها مثل سكوتها وقبل الشرع كان سكوتها غير كاف فكذا إذنها فينعكس المعنى ذكره في المصباح وأفاد الخبر أن الولي لا يزوج موليته إلا بإذنها لكن الثيب يشترط نطقها والبكر يكفي سكوتها لما قام بها من شدة الحياء‏.‏ وهذا عند الشافعي في غير المجبر أما هو فيزوج البكر بغير إذن مطلقاً‏.‏ وقال الأئمة الثلاثة‏:‏ عقد الولي بغير إذن موقوف على إجازتها‏.‏ والثيب عند الشافعي من وطئت في قبلها مطلقاً وغيرها بكر فالثيب بغير وطء بكر عنده وعند أبي حنيفة وكذا بزنا ظاهر عندهما وطرده الشافعي في الخفي وجعل سبب الإجبار البكارة لا الصغر وعكس أبو حنيفة ومحل التفصيل كتب الفروع

- ‏(‏طب هق‏)‏ وكذا الحاكم في تاريخه ‏(‏عن العرس‏)‏ بضم العين المهملة وسكون الراء بعدها مهملة ‏(‏ابن عميرة‏)‏ بفتح العين بضبط المؤلف كغيره الكندي روى عن ابن أخيه عدي وزهدم قيل مات في فتنة ابن الزبير ورمز المؤلف لحسنه وقضيته أنه لا يبلغ درجة الصحة وليس كذلك فقد قال الحافظ الهيتمي بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات هكذا جزم به‏.‏

19 - ‏(‏آمن‏)‏ بالمد وفتح الميم ‏(‏شعر أمية‏)‏ بضم الهمزة وفتح الميم وشد المثناة تحت تصغير أمة عبد الله ‏(‏بن أبي الصلت‏)‏ بفتح المهملة وسكون اللام ومثناة فوق وهو ربيعة بن وهب بن عوف ثقفي من شعراء الجاهلية مبرهن غواص على المعاني معتن بالحقائق متعبد في الجاهلية يلبس المسوح ويطمع في النبوة ويؤمن بالبعث وهو أول من كتب باسمك اللّهم‏.‏ وزعم الكلاباذي أنه كان يهودياً ويقال إنه دخل في النصرانية وأكثر في شعره من ذكر التوحيد وأحوال القيامة والزهد والرقائق والحكم والمواعظ والأمثال‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ كان داهية من دواهي ثقيف وثقيف دهاة العرب ومن دهائه ما همّ به من ادّعاء النبوة وكان جلابة للعلوم جوالاً في البلاد ‏(‏وكفر قلبه‏)‏ أي اعتقد ما ينافي شعره المشحون بالإيمان والحكمة والتذكير بآلاء الله وأيامه فلم ينفعه ما تلفظ به مع جحود قلبه‏.‏ روى مسلم عن عمرو بن الشريد قال‏:‏ ‏"‏ردفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هل معك من شعر أمية‏؟‏ قلت‏:‏ نعم فأنشدته مئة بيت فقال‏:‏ لقد كاد أن يسلم في شعره‏"‏ وروى ابن مردويه بإسناد قال ابن حجر قوي عن ابن عمر وفي قوله تعالى‏:‏ ‏{‏واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها‏}‏ قال‏:‏ نزلت في أمية بن أبي الصلت‏.‏ وقال غيره في بلعام وعاش أمية حتى أدرك وقعة بدر ورثا من قتل بها من الكفار ومات أيام حصار الطائف كافراً، ومن نظمه‏:‏‏[‏ص 58‏]‏

مليك على عرش السماء مهيمن * لعزته تعثو الوجوه وتسجد

ومنه قصيدة أخرى

كل دين يوم القيامة عند اللَّـــه إلا دين الحنيفة بور

ومنه أيضاً

مجدوا الله فهو للمجد أهل * ربنا في السماء أمسى كبيرا

ومنه من أخرى

يا رب لا تجعلني كافراً أبداً * واجعل سريرة قلبي الدهر إيمانا

قال ابن حجر‏:‏ فلذلك قال‏:‏ آمن شعره‏.‏ ومن نظمه أيضاً يمدح ابن جدعان يطلب نائلة‏:‏

أأذكر حاجتي أم قد كفاني‏؟‏ * حياؤك إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً * كفاه من تعرضك الثناء

كريم لا يغيره صباح * عن الخلق الجميل ولا مساء

يباري الريح مكرمة وجودا * إذا ما الضب أجحره الشتاء

وأخرج ابن عساكر وأبو حذيفة في المبتدأ عن أبي إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ قدمت الفارعة أخت أمية بن أبي الصلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها وكانت ذات لب وكمال‏:‏ هل تحفظين من شعر أخيك شيئاً ‏؟‏ قالت‏:‏ نعم وأعجب ما رأيته كان أخي في سفر فلما انصرف دخل عليّ فرقد على السرير وأنا أحلق أديما في يدي إذ أقبل طائران أو كالطائرين فوقع على الكوة أحدهما ودخل الأخر فوقع عليه فشق ما بين ناصيته إلى عانته ثم أدخل يده في جوفه فأخرج قلبه فوضعه في كفه ثم شمه فقال له الطائر الأعلى‏:‏ أوعى‏؟‏ قال‏:‏ وعى، ثم رده مكانه فالتأم الجرح أسرع من طرفة عين ثم ذهب فنبهته فقال‏:‏ مالي أراك مرتاعة‏؟‏ فأخبرته فقال‏:‏ خير ثم أنشأ يقول‏:‏

باتت همومي تسري طوارقها * أكفكف عيني والدمع سابقها * مما أتاني من اليقين ولم

أوت برأة يقص ناطقها * أو من تلظى عليه واقدة االنا * ر محيط بهم سرادقها

أم أسكن الجنة التي وعد الأبــ*ـرار مصفوفة نمارقها * لا يستوي المنزلان ثم ولا ال

أعمال لا تستوي طرائقها * هما فريقان فرقة تدخل الجنـ * ـة حفت بهم حدائقها

وفرقة منهم قد أدخلت النــا * ر فساءت بهم مرافقها * تعاهدت هذه القلوب إذا

همت بخير عاقت عوائقها * إن لم تمت غبطة تمت هرما * للموت كأس والمرء ذائقها

وصدها الشقاء عن طلب الجنـ * ـة دنيا الله ما حقها * عبد دعا نفسه فعاتبها

يعلم أن المصير رامقها * ما رغبة النفس في الحياة وإن * تحيا قليلاً فالموت لاحقها

يوشك من فرّ من منيته * يوماً على غرّة يوافقها

قالت‏:‏ ثم انصرف إلى رحله فلم يلبث إلا قليلاً حتى طعن في خاصرته‏.‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن مثل أخيك كمثل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها‏.‏ وأخرج الدينوري في المجالسة عن محمد بن إسماعيل بن طريح الثقفي عن أبيه عن جده عن جد أبيه قال‏:‏ سمعت ابن أبي الصلت عند وفاته وأغمي عليه قليلاً ثم أفاق فرفع رأسه إلى سقف البيت فقال‏:‏ لبيكما لبيكما * ها أنا ذا لديكما * لا عشيرتي تحميني ولا مالي يفديني ثم أغمي عليه ثم أفاق فقال‏:‏

كل عيش وإن تطاول دهراً * صائراً أمره إلى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما قد بدا لي * في رؤس الجبال أرعى الوعولا

ثم فاضت نفسه‏.‏ وأخرج ابن عساكر عن الزهري قال‏:‏ قال أمية‏:‏

ألا رسول لنا منا يخبرنا * ما بعد غايتنا من رأس مجرانا

ثم خرج إلى البحرين فأقام مدة ثم قدم الطائف فقال‏:‏ ما محمد‏؟‏ قالوا يزعم أنه نبي‏.‏ فقدم عليه فقال‏:‏ يا ابن عبد المطلب ‏[‏ص 59‏]‏ أريد أن أكلمك فموعدك غداً فأتاه في نفر من أصحابه وأمية في جماعة من قريش فجلسوا في ظل البيت فبدأ أمية فخطب ثم سجع ثم أنشد الشعر ثم قال‏:‏ أجبني فقال‏:‏ ‏{‏بسم الله الرحمن الرحيم يس والقرآن الحكيم‏}‏ حتى إذا فرغ منها وثب أمية فتبعته قريش تقول‏:‏ ما تقول يا أمية قال‏:‏ أشهد أنه على الحق‏.‏ قالوا‏:‏ فهل نتبعه‏؟‏ قال‏:‏ حتى أنظر‏.‏ ثم خرج إلى الشام وقدم رسول الله المدينة فلما قتل أهل بدر أقبل أمية حتى نزل بدراً ثم ترحل يريد رسول الله فقيل له‏:‏ ما تريد قال‏:‏ محمداً قيل‏:‏ وما تصنع به‏؟‏ قال‏:‏ أومن به وألقي إليه مقاليد هذا الأمر، قال‏:‏ تدري من في القليب‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ فيه عتبة وشيبة وهما ابنا خلف فجدع أذني ناقته وقطع ذنبها فرجع إلى مكة وترك الإسلام فقدم الطائف على أخته فنام عندها فإذا طائران فذكر نحو قصة أخته عنه وأنه مات عقب ذلك ‏.‏

<تنبيه> هذا الحديث قد يعارضه الحديث الآتي‏:‏ ‏"‏عند الله علم أمية بن أبي الصلت‏"‏ وقد يقال قال ذلك أولاً ثم أوحي إليه بعد ذلك بأنه مات كافراً‏.‏ وأراد بالقلب محل القوة العاقلة من الفؤاد سمي قلباً للتقلب والتقليب وللطيف معناه في ذلك كان أكثر قسم النبي بمقلب القلوب‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وحيث ورد في القرآن أو السنة لفظ القلب فالمراد به المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن لكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب‏.‏ والشعر النظم الموزون وحده ما تركب تركيباً متقاصداً وكان مقفى موزوناً مقصوداً به ذلك فما خلا من هذه القيود أو بعضها لا يسماه ولا يسمى قائله شاعراً لأخذه من شعرت إذا فطنت وعلمت وسمي شاعراً لفطنته وعلمه فإذا لم يقصده فكأنه لم يشعر به ذكره في المصباح ‏(‏أبو بكر‏)‏ محمد بن القاسم ‏(‏بن‏)‏ محمد بن بشار ‏(‏الأنباري‏)‏ بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة نسبة إلى بلدة قديمة على الفرات على عشرة فراسخ من بغداد وكان علامة في النحو واللغة والأدب قال ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏المصاحف‏)‏ حدثنا أبي حدثنا عبد الرحمن بن حمزة البلخي حدثنا محمد بن عمرو الشيباني عن أبي عمرو الشيباني عن أبي بكر الهذلي عن عكرمة قلت لابن عباس‏:‏ أرأيت ما جاء عن النبي في أمية بن أبي الصلت‏؟‏ آمن شعره وكفر قلبه‏؟‏ فقال هو حق فما أنكرتم منه ذلك قلت قوله في الشمس‏:‏ إلا معذبة وإلا تجلد، من قوله‏:‏

والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراء يصبح لونها يتورد

تأنى فما تطلع لنا في رسلها * إلا معذبة وإلا تجلد

فقال‏:‏ والذي نفسي بيده ما طلعت الشمس قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك فيقولون لها اطلعي فتقول لا أطلع على قوم يعبدونني من دون الله فيأتيها ملك فتشعل لضياء بني آدم فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن الطلوع فتطلع بين قرنيه فيحرقه الله تحتها

- ‏(‏خط وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ بإسناد ضعيف‏.‏ ورواه عنه أيضاً الفاكهي وابن منده وسببه أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعر أمية فذكره‏.‏

20 - ‏(‏آمين‏)‏ صوت سمي به الفعل الذي هو استجب مبني على الفتح كأين لالتقاء الساكنين يمد ويقصر وأصله القصر ومد ليرتفع الصوت بالدعاء، ذكره ابن خالويه وزعم ابن داستويه أن القصر غير معروف وإنما قصر الشاعر في قوله‏:‏

تباعد عنا فطحل إذ سألته * أمين فزاد الله ما بيننا بعد

للضرورة‏.‏ قال ابن الكمال‏:‏ وهو وهم إذ لا ضرورة فإنه لو قدم الفاء

وقيل‏:‏ * فآمين زاد الله ما بيننا بعدا * اندفعت الضرورة وتشديد ميمه لحن وربما فعله العامة وأما ‏{‏ولا آمّين البيت الحرام‏}‏ فمعناه قاصدين ‏(‏خاتم‏)‏ بفتح التاء وكسرها وفيه عشر لغات ذكر منها خمسة ابن مالك في بيت واحد ‏(‏رب العالمين‏)‏ أي هو خاتم دعاء رب العالمين بمعنى أنه يمنع الدعاء من فساد الخيبة والرد كما أن الطابع على الكتاب يمنع فساد ظهور ما فيه على الغير ذكره التفتازاني‏.‏ وفي خبر أبي داود أن المصطفى ‏[‏ص 60‏]‏ صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو فقال‏:‏ ‏"‏أوجب إن ختم بآمين‏"‏ والرب مصدر بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً وصف به الفاعل مبالغة وصف بالعدل وقيل صفة مشبهة سمي به المالك لكونه يحفظ ما يملكه ويربيه ولا يطلق على غيره تعالى إلا مقيداً كرب الدار‏.‏ ثم إن ربوبيته تعالى بمعنى الخالقية والمالكية والمعبودية عامة وبمعنى التربية والإصلاح خاصة تتفاوت بسبب أنواع الموجودات فهو مربي الأجساد بأنواع نعته ومربي الأرواح بأصناف كرمه ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة ومربي قلوب العارفين بآداب الطريقة ومربي أسرار الأبرار بأنواع الحقيقة‏.‏ والعالمين جمع عالم وهو من كلام أهل اللسان اسم لنوع من المخلوقين فيه علامة يمتاز بها عن خلافه من الأنواع كملك وإنس وجن وهو جمع لا واحد له من لفظه‏.‏ قال الشريف‏:‏ ويطلق على كل جنس لا فرد فهو للقدر المشترك بين الأجناس ‏(‏على لسان عباده المؤمنين‏)‏ أي هو طابع الله على نطق ألسنة عباده لأن العاهات والبلايا تندفع به، إذ الختم الطبع أي الأثر الحاصل عن نفس ويتجوز به عن الاستيثاق من الشيء والمنع منه نظراً إلى ما يحصل بالختم على الكتب والأبواب من المنع فالختم جار مجرى الكتابة عن حفظه وإضافة المؤمنين إليه للتشريف‏.‏ وذكر ابن المنير عن الضحاك أن آمين أربعة أحرف مقتطعة من أسماء الله تعالى وهو خاتم رب العالمين يختم به براءة أهل الجنة وأهل النار وهي الجائزة التي تجيز أهل الجنة والنار وخرج بالمؤمنين الكافرون فختمهم إياه بآمين لا يمنعه من الخيبة والحرمان بل ذهب جمع إلى عدم استجابته تمسكاً بظاهر قوله تعالى ‏{‏وما دعاء الكافرين إلا في ضلال‏}‏ لكن الجمهور على خلافه

- ‏(‏عد طب في‏)‏ كتاب ‏(‏الدعاء‏)‏ وكذا الديلمي وابن مردويه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه مؤمل الثقفي أورده الذهبي في الضعفاء عن أبي أمية ابن يعلى الثقفي لا شيء‏.‏ ومن ثم قال المؤلف في حاشية الشفاء‏:‏ إسناده ضعيف ولم يرمز له هنا بشيء

21 - ‏(‏آية الكرسي‏)‏ أي الآية التي ذكر فيها الكرسي فلذكره فيها سميت به وضم كافه أشهر من كسرها ‏(‏ربع القرآن‏)‏ لاشتماله على التوحيد والنبوات وأحكام الدارين، وآية الكرسي ذكر فيها التوحيد فهي ربعه بهذا الاعتبار، والقول بأن المراد أن ثواب قراءتها يعدل ثواب قراءة ربعه بغير تضعيف أو به متعقب بالرد ويأتي في حديث أنها سيدة آي القرآن أي باعتبار آخر والآية في الأصل العلامة الظاهرة قال‏:‏

توهمت آيات لها فعرفتها * لستة أعوام وذا العام سابع

وتقال للمصنوعات من حيث دلالتها على الصانع تعالى وعلمه وقدرته ولكل طائفة من كلمات القرآن المميزة عن غيرها بفصل‏.‏ سميت به لأنها علامة اقتطاع كلام عن كلام وتستعمل في المحسوس كعلامة الطريق والمعقول كالحكم الواضح ويقال لكل جملة دلت على حكم من الأحكام آية ولكل كلام منفصل بفصل لفظي آية وللمعجزة آية لدلالتها على صدق من ظهرت بسببه والقرآن لغة الجمع نقل إلى المجموع المتواتر المفتتح بالفاتحة المختتم بالمعوذتين ويطلق على القدر المشترك بينه وبين بعض أجزائه وعلى الكلام النفسي القائم بأنه الأقدس المدلول عليه بالألفاظ

- ‏(‏أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ ابن حبان بمهملة فمثناة تحتية مشددة وكذا الطبراني ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الثواب‏)‏ أي ثواب الأعمال والديلمي ‏(‏عن أنس‏)‏ وفيه ابن أبي فديك عن سلمة ابن وردان وسلمة أورده الذهبي في الضعفاء والمتروكين وقد حسنه المؤلف ولعله لاعتضاده‏.‏

22- ‏(‏آية ما بيننا‏)‏ لفظ رواية الحاكم بإسقاط ما وتنوين آية أي علامة التمييز بيننا أيها المؤمنون ‏(‏وبين المنافقين‏)‏ الذين أمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم والمنافق أصله من يظهر ما يبطن خلافه لكنه غلب على من يظهر الإسلام ويبطن الكفر ‏(‏أنهم لا يتضلعون‏)‏ لا يكثرون ‏(‏من‏)‏ شرب ‏(‏ماء‏)‏ بئر ‏(‏زمزم‏)‏ حتى تتمدّد جنوبهم وضلوعهم ‏[‏ص 61‏]‏ كراهة له بعد ما علموا ندب الشارع إلى شربه والإكثار منه‏.‏ والرغبة في الاستكثار منه عنوان الغرام وكمال الشوق فإن الطباع تحن إلى مناهل الأحبة ومواطن أهل المودّة، وزمزم منهل المصطفى صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومحل تنزل الرحمات وفيض البركات فالمتعطش إليها والممتلئ منها قد أقام شعار المحبة وأحسن العهد إلى الأحبة فلذلك جعل التضلع منها علامة فارقة بين النفاق والإيمان‏.‏ ولله در القائل‏:‏

وما شغفي بالماء إلا تذكراً * لماء به أهل الحبيب نزول

ثم إن ما أوهمه ظاهر اللفظ من أن من لم يشرب منها مع تمكنه يكون منافقاً وإن صدق بقلبه غير مراد بل خرج ذلك مخرج الترغيب فيه والزجر والتنفير عن الزهادة فيه، على أن العلامة تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم ما هي له والبين البعد‏.‏ وقال الحرّاني‏:‏ حد فاصل في حس أو معنى‏.‏ والنفاق اسم إسلامي لا تعرفه العرب بالمعنى المقرر‏.‏ والتضلع الإكثار والامتلاء شبعاً ورياً وزمزم معروفة سميت به لكثرة مائها أو لضم هاجر لمائها حين انفجرت أو لزمزمة جبريل أي تكلمه عند فجره لها أو لأنها زمت بالتراب لئلا تأخذ يميناً أو شمالاً أو لغير ذلك ولها أسماء كثيرة وماؤها أشرف مياه الدنيا والكوثر أشرف مياه الآخرة

- ‏(‏تخ ه ك‏)‏ من حديث إسماعيل بن زكريا عن عثمان ابن الأسود عن ابن ‏(‏عباس‏)‏ قال عثمان‏:‏ جاء رجل إلى ابن عباس‏.‏ قال‏:‏ من أين جئت‏؟‏ قال‏:‏ من مكة‏.‏ قال‏:‏ شربت من ماء زمزم‏؟‏ قال‏:‏ شربت‏.‏ قال‏:‏ شربت منها كما ينبغي‏؟‏ قال‏:‏ وكيف‏؟‏ قال‏:‏ إذا أردت أن تشرب منها فاستقبل البيت واذكر اسم الله واشرب وتنفس ثلاثاً وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله‏.‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره‏.‏ ثم قال الحاكم إن كان عثمان سمع من ابن عباس فهو على شرطهما وتعقبه الذهبي فقال‏:‏ والله ما لحقه‏.‏ مات عام خمسين ومئة وأكبر مشيخته ابن جبير‏.‏ وقال ابن حجر حديث حسن انتهى‏.‏ ورواه الطبراني عن الحبر باللفظ المزبور‏.‏ قال الهيتمي بإسنادين رجال أحدهما ثقات انتهى‏.‏ والحاصل أن بعض أسانيده رجاله ثقات لكن فيه انقطاع‏.‏

23 - ‏(‏آية العز‏)‏ أي القوة والشدة والصلابة فمنة ‏{‏فعززنا بثالث‏}‏ أو الأنفة ومنه ‏{‏وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة‏}‏ أو الغلبة والمنعة ومنه ‏{‏بل الذين كفروا في عزة‏}‏ أي ممانعة ‏{‏أيبتغون عندهم العزة‏}‏ أي المنعة والمراد هنا من العلامات الدالة على قوة إيمان الإنسان وشدته في دين الله ملازمته لتلاوة هذه الآية مع الإذعان لمدلولها وأنه بذلك يصير قوياً شديداً وقيل المراد أن هذه الآية تسمى أية العز لتضمن قوله فيها ‏{‏ولم يكن له ولي من الذل‏}‏ لذلك أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر لأنه العزيز المعز ‏{‏وقل الحمد لله‏}‏ أي الوصف بالجميل لله ‏(‏الآية‏)‏ كما ذكره في هذا الكتاب والظاهر أنه من تصرفه فأتى بلفظ الآية اختصاراً أو اتكالاً على حفظ الناس لها فإن الآية بكمالها ثابتة في الحديث كما يحيط به من سبر الروايات ووقف على الأصول ويشهد لكونه إنما حمله على حذفها رعاية الإيجاز أنه أتى بها في جامعه الكبير ولم يذكر لفظ الآية‏.‏ ‏"‏فقال وآية العز وقل الحمد لله‏"‏ ‏(‏الذي‏)‏ قال الحراني اسم مبهم مدلوله ذات موصوفة بوصف يعقب به وهي الصلة اللازمة ‏(‏لم يتخذ ولداً‏)‏ أي لم يسم أحد له ولداً وأما التولد فمما لا يتصوره عقل، ومعنى الحمد لله لعدم الولد احمدوه حيث برئ من الأولاد فتكون منافعه كلها للعباد ‏(‏ولم يكن له شريك‏)‏ أي مشارك ‏(‏في الملك‏)‏ أي الألوهية وهذا كالرد على اليهود والمشركين ‏(‏ولم يكن له ولي‏)‏ ناصر يواليه ‏(‏من‏)‏ أجل ‏(‏الذل‏)‏ أي المذلة ليدفعها بمناصرته ومعاونته فلم يحالف أحداً ولا ابتغى نصرة أحد لأن من احتاج إلى نصرة غيره فقد ذل له وهو الغالب القاهر فوق عباده وهذا رد على النصارى والمجوس القائلين لولا أولياء الله لذل فنفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختياراً أو اضطراراً أو ما يعاونه ويقويه ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك ولهذا عطف عليه قوله ‏(‏وكبره‏)‏ أي عظمه عن كل ما لا يليق به ‏(‏تكبيراً‏)‏ تعظيماً تاماً عارفاً أو اعرف وصفه بأنه أكبر من أن يكون له ولد أو شريك أو ولي من الذل‏.‏ وفيه تنبيه على أن ‏[‏ص 62‏]‏ العبد وإن بالغ في التزيه والتحميد واجتهد في العبادة والتمجيد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه تعالى في ذلك، ولعظمة هذه الآية ختمت بها التوراة كما رواه ابن جرير وغيره عن كعب قال المؤلف وتسن قراءتها عند النوم وتعليمها للأهل والعيال لأثر فيه

- ‏(‏حم طب عن معاذ‏)‏ بضم الميم وفتح المهملة فمعجمة ‏(‏ابن أنس‏)‏ الجهني صحابي سكن مصر روى عنه ابنه سهل أحاديث كثيرة‏.‏ قال الحافظ العراقي‏:‏ وسنده ضعيف‏:‏ وقال الهيتمي‏:‏ رواه أحمد والطبراني من طريقين في أحدهما رشدين بن سعد وهو ضعيف وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه وقد رمز المؤلف لحسنه‏.‏

24 - ‏(‏آية‏)‏ وفي رواية الطبراني في الأوسط من حديث أبي بكر ‏"‏آيات‏"‏ وهي مبينة لكون المراد الجنس ‏(‏الإيمان‏)‏ كلام إضافي مرفوع بالابتداء وخبره ‏(‏حب‏)‏ بضم المهملة ‏(‏الأنصار‏)‏ أي علامات كمال إيمان الإنسان أو نفس إيمانه حب مؤمني الأوس والخزرج لحسن وفائهم بما عاهدوا الله عليه من إيواء نبيه ونصره على أعدائه زمن الضعف والعسرة وحسن جواره ورسوخ صداقتهم وخلوص مودتهم ولا يلزم منه ترجيحهم على المهاجرين الذين فارقوا أوطانهم وأهليهم وحرموا أموالهم حباً له وروماً لرضاه كما يعرف مما يجيء وقوله ‏"‏آية‏"‏ بهمزة ممدودة ومثناة تحتية مفتوحة وتاء تأنيث ‏"‏والإيمان‏"‏ مجرور بالإضافة‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ هذا هو المعتمد في جميع الروايات وقول الكعبري بهمزة مكسورة ونون مشددة وهاء، والإيمان بالرفع تصحيف فاحش والمحبة لغة ميل القلب إلى الشيء لتصور كماله فيه لكن ليس المراد بالميل هنا ما يستلذه بحواسه كحسن الصورة بل الميل لما يستلذه بعقله إما لإحسانه كجلب نفع ودفع ضر أو لذاته كمحبة الفضل والكمال‏.‏ ومن ثم قال القاضي المراد بالحب هنا العقلي وهو إيثار ما يقتضي العقل رجحانه وإن كان على خلاف هوى النفس كالمريض يعاف الداء بطبعه فينفر عنه ويميل له بعقله واللام للعهد أي أنصار الرسول سماهم أنصاراً أخذاً من قوله تعالى ‏{‏والذين آووا ونصروا‏}‏ فصار علماً بالغلبة وهم وإن كانوا ألوفاً لكن استعمل فيهم جمع القلة لأن اللام للعموم والتفرقة إنما هي في النكرات ‏(‏وآية النفاق‏)‏ بالمعنى الخاص ‏(‏بغض الأنصار‏)‏ صرح به مع فهمه مما قبله لاقتضاء المقام التأكيد ولم يقابل الإيمان بالكفر الذي هو ضده لأن الكلام فيمن ظاهره الإيمان وباطنه الكفر فميزه عن ذوي الإيمان الحقيقي فلم يقل آية الكفر لكونه غير كافراً ظاهراً وخص الأنصار بهذه المنقبة العظمى لما امتازوا به من الفضائل المارة فكان اختصاصهم بها مظنة الحسد الموجب للبغض فوجب التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم وأبرز ذلك في هذين التركيبين للحصر لأن المبتدأ والخبر فيهما معرفتان فجعل ذلك آية الإيمان والنفاق على منهج القصر الادعائي حتى كأنه لا علامة للإيمان إلا حبهم وليس حبهم إلا علامته ولا علامة للنفاق إلا بغضهم وليس بغضهم إلا علامته تنويهاً بعظيم فضلهم وتنبيهاً على كريم فعلهم وإن كان من شاركهم في المعنى مشاركاً لهم في الفضل كل بقسطه، ثم إنه لا دلالة في الخبر على أن من لم يحبهم غير مؤمن إذ العلامة - ويعبر عنها بالخاصة - تطرد ولا تنعكس فلا يلزم من عدم العلامة عدم من هي له أو المراد الإيمان الكامل أو يحمل البغض على التقييد بالجهة فبغضهم من جهة كونهم أنصار المصطفى صلى الله عليه وسلم لا يجامعه التصديق فيكون من أبغضهم منافقاً حقيقياً أو اللفظ خرج مخرج الزجر والتحذير كما يشهد له ما مر من مقابلة الإيمان بالنفاق دون ضده إرشاداً إلى أن المخاطب بالترغيب والترهيب مظهر الإيمان لا الكفر لارتكابه أقبح من ذلك‏.‏ وقول ابن المنير المراد حب جميعهم وبغض جميعهم لأن ذلك إنما يكون للدين وأما من أبغض بعضهم لمعنى يسوغ البعض له فغير داخل في ذلك، تعقبه المؤلف ‏.‏